بناء

السلام عليــــــــــــــــــــكم

يسيل اللعاب عند رؤية طعام شهي طيب لذيذ، ويخفق القلب عند رؤية شيء تهواه النفس من ملذات الحياة، وتهوى القلوب ما يريحها ويشعرها بأنها الملكة المالكة لكل ما يقع تحت مرآى العيون، فنرى نحن سكان العالم الثالث أن سكان الدول المتطورة كأنهم كسبوا الدنيا وما فيها وأنهم يتنعمون كل النعيــــــــم، فكل شيء في حياتهم يسير كل اليسر، بل ولهم فيها ما يتمنون مما لذ وطاب وتهوى الأنفس.

يخرج الفرد في مدينة نيويورك التي يبلغ عدد سكانها الملايين ( حوالي 9 ملايين فردا عام 2016 )، في الصباح الباكر إلى عمله، فيجد الباص بانتظاره، يركب الباص رغم تمكنه من شراء سيارة خاصة لأنه ينوي التقليل من تلوث المحيط لأنه يعي أن حماية البيئة مسؤولية الجميع التي قد يتهرب منها البعض، يركب الباص لأنه يعلم أنه لو اقتنى كل فرد من المدينة سيارة لما تمكنوا من الوصول إلى أماكن عملهم كل صباح من شدة الزحمة.

يلتحق بمكان عمله في الوقت المحدد، ليجد مدير عمله قد التحق قبله، يدون المدير أسماء المنضبطين بالتوقيت ليكافئهم، لأنه لا يستوي عندهم الكسالى والجادون، يذهب إلى مكتبه ليباشر عمله، يلقي التحية على من يجدهم في طريقه بكل أدب، ويلقي بعض الكلمات الطيبة على مسامع كل من يعرفهم ولا يعرفهم، فيردون عليه بالمثل.

تنتهي فترة العمل الصباحية ليتوجه الجميع إلى المطعم الموجود في مقر العمل، مطعم لا تكاد تشم فيه إلى رائحة كل شهي ولذيذ من الطعام، رائحته دائما وكأنه أول يوم يفتتح فيه المطعم، إهم يعتنون بالنظافة كثيـــــــــرا ( كما يقال ... أكثر من اللازم )، يأكل وجبته برفقة زملائه غالبا، ليعود ليكمل ما تبقى من عمله، بعد انتهاء مدة العمل ينصرف من مكان عمله، ليترك وراءه زملاءه الراغبين في أجر إضافي، فعندهم كل من يعمل أكثر من مدة عمله الرسمية يتقاضي مكافآت مالية.

الآن وبعد أن أكمل عمله يستقل سيارة أجرة تأخذه مباشرة إلى منزله، يدخل المنزل يضع ما بيده ليستعد لأخذ حمام ساخن يزيل عنه تعب العمل، هو لا يقلق بشأن الماء ويستطيع أخذ حمام في أي وقت، فالماء لا يغيب عن حنفية بيته، بفضل السياسة المتبعة في توفير المياه في مدينته، بعد هذا يخرج ليعتني ببعض النباتات الموجودة في حديقته، يعلم جيدا أن هذه النباتات لن تدر عليه أي ربح ولا مال، لكنه يهتم بها يوميا، إنه يكتفي براحة البال التي تجلبها إليه.

يخرج في المساء ليتمشى قليلا، لا يضطر للقفز فوق بركة ماء، ولا ليقفل أنفه من رائحة القاذورات، ولا يتعبه المشي لأن طريقه مليئة بالكراسي النظيفة يستطيع أخذ قسط من الراحة أينما يريد، يجلس قليلا ليشرب قليلا من الماء، يفرغ القارورة فيرميها في سلة نفايات، سلة ليست كالتي نعرفها، سلة مخصصة للنفايات البلاستيكية، وقبل أن يرميها يفصل غطاء القارورة عنها، فيرمي الغطاء في سلة ويرمي القارورة في أخرى ... لكل سلته الخاصة.

يمشي في ذلك الشارع النظيف، لا ورقة تطير في السماء، ولا كيس بلاستيكي، ولا أي شيء آخر، وكأنها مدينة جديدة، ولا ماء يجري في الطريق، في شوارعنا الماء المسكين ... تائه في أزقتها ... لا يهتدي إلى أين مقصده، لا أحد قادر على أن يريه الطريق ؟ أيها الناس أروه الطريق ... قولوا له أن يدخل إلى منازل الناس .. إنهم عطشى ...

بالطبع هذا تصوير للحياة المثالية التي يعيشها بعض سكان العالم فقط وليست حياة كل فرد، لكن ما الذي جعلهم يتوصلون إلى هذه الحياة المنظمة الراقية؟ هل  هو المال؟ المال من يجعلهم يتفوهون بكلام طيب ويحترمون أنفسهم؟ المال من يجعلهم لا يبذرون الماء والكهرباء وغير ذلك؟ هل المال من جعلهم ينضبطون ويحترمون الوقت؟

وأي ربح أو مال يجنونه من الحفاظ على سلامة البيئة؟ منذ متى وهم يعيشون هكذا؟ وإلى متى سيعيشون هكذا؟ وهل يعيشون هكذا دائما؟ وماذا نعمل لنعيش مثلهم؟ من لا يرغب في العيش مثلهم؟ من لا يحب أن يعيش مطمئن البال، وأن يتمتع بحياة منظمة؟

الجــــــــواب:
" لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
هذا هو المختصر والعلاج الشافي، لا يمكننا أن نعيش مثلهم إلا إذا تغيرنا، ولن نتغير إلا إذا تغير ما في قلوبنا، لا يمكننا أن نعيش مثلهم وأنفسنا ترى رمي القمامة من النافذة شيئا ممتعا، لا يمكننا أن نصبح مثلهم وأنفسنا تستمتع بالنزاع مع الأشخاص لنرى أنفسنا أقوياء، ونستمتع بجرح المسامع بالكلام القاسي، لن نصبح مثلهم والكل يسرق من المال العام ولا يعتقد أن الله سيحاسبه على ماله الذي كسبه بعرق جبينه فكيف بالمال الذي ليس له، لن نصبح مثلهم وكل عامل يتهرب من عمله بحجة أنه تعب ومل وأنه يريد التغيير، لا يمكننا أن نتغير والتلميـــــــذ يكره مدرسته بمن فيها، لا يمكننا أن نتغير وكلنا يحلم أن يعامل بدلال وهو لا يحسن معاملة الناس، كل منا يريد الخير لنفسه فقط، لا أحد فينا يقاوم هوى نفسه، والله لن نتحسن حتى يحب المرء لأخيه ما تحبه وتهواه نفسه، ولن نرى النور  وكل فرد يتهرب من تنظيف بيته حتى، أو ترتيب أغراضه أو سريره، 

لن يبني لنا غيرنا قصرا لنسكن فيه، نحن من علينا أن نبني قصرنا بأيدينا، ولن تبنيه أيدينا حتى تؤمن وتقتنع بذلك أنفسنا.

تعليقات